2024-08-23 13:48:21
by : بسنت شادي
إن الحرب تنتهي فقط في حالات ثلاث: الأولى هي الاستسلام الفلسطيني للشروط الإسرائيلية، فلطالما كان الأمريكيون يعبرون بغطرسة عن تصور مفاده «تنتهي الحرب بتسليم حركة حماس الرهائن وإلقاء السلاح»، وهو ما استهدفته البربرية الإسرائيلية عبر خلق معاناة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة أحالت الحياة في غزة إلى جحيم يومي متصل عبر مئات المجازر وفرض المجاعة، باختصار عملية إبادة جماعية محكمة تهدف إلى كسر الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية، بالتزامن مع حملات هدفها تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية ما حل بالقطاع من خراب.
لكن الفلسطينيين يدركون جيدًا تبعات الاستسلام، إن استمرار القتال هو ضامنهم الأساسي في مواجهة عدو مجرم وشديد القسوة لم يتورع تاريخيًا كما الآن عن إنزال المذابح بالعُزل، وما جرى في مخيمي صبرا وشاتيلا بعد انسحاب قوات منظمة التحرير من بيروت يمثل درسًا لا يغيب عن البال
الحالة الثانية هي استمرار المعادلة الحالية في موازين القوى التي لا تصب في المدى المتوسط لصالح القطاع ومقاومته، ففي ظل حصار كامل وغياب أي دعم لوجستي وضيق مساحة القطاع جغرافيًا، ليس بالإمكان تصور إمكانية استمرار المقاومة الفلسطينية في القتال طويلًا، وإن كان نضوب قدراتها غير مطروح في المدى القصير. وفي هذا السيناريو تستمر إسرائيل في تثبيت الجبهات الأخرى بمناوشات محدودة، بينما تسيطر على محور فيلادلفيا وتتحكم بالمعبر وتقوم بعمليات نوعية عبر قصف جوي يتزامن مع نشاط استخباراتي واسع. وتطور الأمور وفق هذه المعادلة سوف يفضي إلى هزيمة المقاومة الفلسطينية.
تبقى الحالة الثالثة هي المطروحة بقوة على جدول الأعمال، تصعيد من المقاومة على الجبهات الأخرى. وهي حالة تشكلت عناصرها وتكاثفت على مدى الأشهر الأخيرة. والعنصر الأساسي فيها أن ضربة السابع من أكتوبر أصابت مفهوم الردع الإسرائيلي في مقتل. فلأول مرة منذ تأسيسها، تدخل إسرائيل في اشتباك متصل مع ثلاث قوى إقليمية لمدة عشرة أشهر يُضرب فيها العُمق الإسرائيلي، ويضطر مجتمع المستوطنين للحياة بالقرب من الملاجئ، وينزح من المناطق الحدودية باتجاه الداخل، بل ويشهد حالة هجرة واسعة، حيث بلغت أعداد من غادروا إسرائيل في الشهور الستة الأولى من الحرب 550 ألف مستوطن، لا ينوي 80% منهم العودة، بخلاف الأجانب والبعثات الدبلوماسية. تلك الحالة تضرب الأساس الذي تشكلت عليه إسرائيل تحت دعاية «توفير وطن آمن لليهود».
بعد 75 عامًا من إنشائها بالأمر الاستعماري، وصلت إسرائيل إلى وضع تاريخي ظنت أنها تخطته منذ أمد طويل عبر عدة حروب وعملية تطبيع تاريخي مع الأنظمة العربية المجاورة ثبت أنها غير قادرة على منح إسرائيل الأمن، بل إنها الآن في وضع لم تواجهه منذ سنوات تأسيسها الأولى. هذا الوضع يرتب على الإسرائيلي رغبة ملحة في إعادة ترميم ما انهار منذ السابع من أكتوبر، وإسكات جبهة غزة، ودفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، بما يعني درء التهديد الإيراني الذي هو أساس الاستراتيجية التي تبنيها الولايات المتحدة في المنطقة منذ سنوات طويلة، بتقديم نفسها ومعها إسرائيل كضامنتين لأمن الخليج ضد التهديد الإيراني المزعوم.
بعد 75 عامًا من إنشائها بالأمر الاستعماري، وصلت إسرائيل إلى وضع تاريخي ظنت أنها تخطته منذ أمد طويل عبر عدة حروب وعملية تطبيع تاريخي مع الأنظمة العربية المجاورة ثبت أنها غير قادرة على منح إسرائيل الأمن، بل إنها الآن في وضع لم تواجهه منذ سنوات تأسيسها الأولى. هذا الوضع يرتب على الإسرائيلي رغبة ملحة في إعادة ترميم ما انهار منذ السابع من أكتوبر، وإسكات جبهة غزة، ودفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، بما يعني درء التهديد الإيراني الذي هو أساس الاستراتيجية التي تبنيها الولايات المتحدة في المنطقة منذ سنوات طويلة، بتقديم نفسها ومعها إسرائيل كضامنتين لأمن الخليج ضد التهديد الإيراني المزعوم.
هكذا يسعى نتنياهو بضربة واحدة إلى تحييد كل القوى التي توجه مدافعها نحو إسرائيل، وما الاستفزازات المتتالية كاغتيال العاروري وهنية وفؤاد شكر، والضربات على المصالح الإيرانية في سوريا، إلا محاولات لدفع ديناميكية تنتهي بإشعال حريق كبير في المنطقة، سوف تجد الولايات المتحدة نفسها بداخله ومضطرة مع حلفائها للانخراط فيه.
وعلى خلاف ما يبدو من أن نتنياهو الطامح الوحيد لجر حزب الله على الأقل إلى مواجهة مفتوحة، فإن المقاومة الفلسطينية هي الأخرى تحتاج إلى دخول الحزب الحرب بلا أسقف، فهذا هو الطريق الوحيد لقطع طريق هزيمتها التي هي هزيمة لكل قوى المقاومة في المنطقة.
إن نتنياهو يعتقد أنه سيربح الحرب الواسعة ويفرض شروطه على الجميع بدعم أمريكي أكيد، ليستعيد الردع المفقود ويخرج من السياسة الإسرائيلية كبطل استطاع ضرب التهديدين الشمالي والجنوبي، لكن تلك الحسابات الصهيونية لا تدخل في اعتبارها أمور أكثر خطورة، وهي ربما ما تراهن عليه المقاومة الفلسطينية، ليس من باب توريط أحد، بل من باب الضرورة الملحة.
إننا لا ندري على وجه الدقة بسبب غياب المعلومات، ما هي الحالة العسكرية للمقاومة الفلسطينية، وإلى أي مدى يمكنها الصمود، غير أننا نعتقد أن الحسابات المنطقية تشير إلى الأثر الذي يمكن أن تفرضه العزلة الجغرافية على الشعب والمقاومة الفلسطينية، وأن تخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي ممكن فقط عبر فتح جبهة أكثر اتساعًا ومقدرة من الناحية العسكرية، جبهة قادرة على إلحاق ضرر شديد بالعمق الإسرائيلي يصيب إسرائيل بمزيد من الاختلال الذي يجبرها على إيقاف القتال دون تمرير أجندتها الاستسلامية على المقاومة.
غير أن الحسابات من ناحية الحزب وإيران تضع في اعتبارها قدرة إسرائيل، وتمتعها بدعم نيراني أمريكي وغربي هائل سوف يعرض لبنان ولا شك لدمار كبير، ولعل رهان الحزب وإيران كان منذ البداية ترك الأمور تتدحرج مع الاحتفاظ بمستوى منخفض من الاشتباك لا يستدعي حربًا شاملة، وبالتالي ذريعة للتدخل الأمريكي، على أمل أن يُجبَر نتنياهو بشكل ما على إيقاف القتال دون شروط ثقيلة، أو أن يندفع ويتصاعد بأعمال استفزازية تجعل الحرب تبدأ من الجانب الإسرائيلي، وبالتالي تنزع ذريعة الولاي
ات المتحدة للتدخل.
مشاركه :
لايوجد اخبار