2024-08-23 14:02:41
by : بسنت شادي
في العاشر من أغسطس الجاري، أصدر كامل الوزير، الفريق السابق ذو المناصب الحكومية المتعددة حاليًا، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة ووزير النقل، قرارًا ينزع صلاحية التفتيش والرقابة على المنشآت الصناعية، الموكلة لجهات عدة، لصالح لجنة شكّلها هو، برئاسته وعضوية ممثلين عن وزارات: الصحة، البترول، البيئة، التنمية المحلية، الداخلية، العمل، بالإضافة إلى اتحاد الصناعات، وفي 22 أغسطس أضاف ممثلين عن وزارتي التموين والري. وبالتبعية، حظر القرار إغلاق أي منشأة صناعية من قِبل أي جهة مُخولة قانونًا باتخاذ قرار الإغلاق دون أمر كتابي من الوزير شخصيًا. وأعطى القرار الحق لأصحاب المصانع برفض استقبال أي مفتش من الجهات المعنية خارج اللجنة المشكلة.
لم يعرِض نص القرار أسباب هذه الإجراءات المُفاجئة، لكن الوزير أوضح في اجتماع للمجموعة الوزارية للتنمية الصناعية بحضور ممثلي شعبتي السيراميك والسيارات باتحاد الصناعات، في 15 أغسطس، أن الهدف هو «تعزيز مبدأ الشفافية والنزاهة بين القطاع الخاص والدولة، إلى جانب إصحاح [تصحيح] وتوفيق أوضاع المصانع فضلًا عن تحسين جودة المنتج المصري وتعزيز تنافسيته بالسوقين المحلي والأجنبي».
مفتش صيدلي في وزارة الصحة، طلب عدم ذكر اسمه، قال لـ«مدى مصر» إن القرار صدر في أعقاب شكوى قدمها أحد أصحاب مصانع الدواء الكبرى للوزير ضد قيادة في تفتيش هيئة الدواء، بعدما أصدر الأخير قرارًا بإغلاق المصنع بسبب مخالفات تستدعي الغلق. وبحسب المصدر، تبع ذلك شكاوى أخرى تدور حول تعنت مفتشي الهيئة ضد مصانع الأدوية.
مصدر مسؤول بشعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، أكد لـ«مدى مصر»، شكوى صاحب مصنع الدواء، موضحًا أن «القرار كان بعد اجتماعه [الوزير] مع أعضاء غرفة صناعة الدواء منذ أسبوعين وكانت الجلسة تناقش أزمات الصناعة، ومنها التصدير والتمويل، وطالبنا الفريق كامل الوزير بتسريع وتيرة السجل الصناعي لأنه يأخذ وقتًا طويلًا، وتوطين الدواء والمبادرات المالية ودعم المصانع بشكل عام وتوطين صناعة الخامات».
يتفق مسؤول الشعبة على أن أي سلطة مطلقة وتفتيش مُركّز في يد جهة واحدة أمر غير صحي، لكنه يرى أن هيئة التنمية الصناعية واتحاد الصناعات «مهمان جدًا للتفتيش على المصانع مع هيئة الدواء، لأنهما على دراية تامة بتلك الصناعة».
يتفق مسؤول الشعبة على أن أي سلطة مطلقة وتفتيش مُركّز في يد جهة واحدة أمر غير صحي، لكنه يرى أن هيئة التنمية الصناعية واتحاد الصناعات «مهمان جدًا للتفتيش على المصانع مع هيئة الدواء، لأنهما على دراية تامة بتلك الصناعة».
بعيدًا عن الدوافع، يطرح القرار علامات استفهام كثيرة، ربما أهمها يدور حول مدى قانونية تعطيل السلطة التنفيذية عمل جهات رقابية ملزمة بمسؤوليات وواجبات حددتها قوانين إنشائها، دون تعديل تشريعي من السلطة التشريعية. كذلك التساؤل بشأن مدى جدوى وفاعلية مَركزة عملية الرقابة والتفتيش على عشرات الآلاف من المنشآت الصناعية، موزعة على جميع أنحاء الجمهورية، في يد لجنة واحدة، بالإضافة إلى مَركزة قرارات الإغلاق، التي قد تسفر عنها عمليات التفتيش، في يد مسؤول واحد هو الوزير.
تخبرنا بيانات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أن إجمالي عدد المنشآت الصناعية المسجلة بلغ نحو 56.5 ألف منشأة عام 2021، مقارنة بنحو 47.8 ألف منشأة عام 2020، بارتفاع يقدر بنحو 8.7 ألف منشأة. وارتفع عدد العاملين بهذه المنشآت إلى نحو 3.2 مليون عامل خلال عام 2021، مقارنة بما يقرب من 2.6 مليون عام 2020 بنسبة ارتفاع بلغت نحو 23.1%. وسجلت بيانات الهيئة العامة للتنمية الصناعية نحو 5.9 آلاف منشأة صناعية جديدة خلال عام 2023، مقارنة بالعام السابق عليه. وبتلك الزيادة، بلغ عدد المنشآت الصناعية، 65.6 ألف منشأة.
هذا العدد الضخم من المنشآت المنتشر في جميع ربوع البلاد، يضم قطاعات كثيرة ومتنوعة، يصعب تغطية أو استطلاع أثر القرار عليها في تقرير واحد، لذا سنركز هنا على قطاعين مهمين لجميع المواطنين هما الغذاء والدواء.
نص قرار الوزير
***
مفتش صيدلي سابق بوزارة الصحة قال لـ«مدى مصر» إن قرار الوزير رفع يد هيئة الدواء عن كل مصانع القطاع، «يعني ممكن أنا كمفتش يكون معايا كل الإثباتات أن المصنع لازم يتقفل، لكن اللجنة المعنية تلغي القرار»، مشيرًا إلى أن أحد سلبيات القرار أنه سيزيد من ظهور الأدوية غير المطابقة للمواصفات، موضحًا أنه بالقطع جميع أصحاب مصانع الدواء لديهم فرحة عارمة بهذا القرار، مضيفًا: «حاليًا لو مفتش دواء نزل يفتش بسبب مخالفات، صاحب المصنع هيطرده ويرميه بره علشان مش معاه اللجنة اللي أقرها القرار، حتى لو انت متأكد أن المصنع ده مخالف للشروط».
و«دلوقتي لو جاتني شكوى إن مصنع [أغذية] فيه مخالفات في المنتج، مش هروح أفتش، هستني أبعت للجنة الأول، وأحصل على الإذن منها علشان تنزّل مندوب معايا للتفتيش. وعقبال ما اللجنة تاخد القرار هيكون المصنع تخلص من الطعام الفاسد اللي عنده، وممكن يقفل شوية ويرجع يشتغل تاني عادي»، يقول مفتش في الهيئة القومية لسلامة الغذاء، مشيرًا إلى أن الكثير من مصانع «بير السلم» -مثلًا- المنتشرة في القرى لا تلتزم بالاشتراطات الصحية، وبالتالي من الطبيعي أن يكونوا مستائين من عمل المفتشين. ومع ذلك، فاتخاذ قرار بالإغلاق لا يحدث إلا عند المخالفات الصحية الكبيرة، كما أن عمل المفتش بدوره خاضع للرقابة من قبل رؤسائه في الهيئة ومديريات وزارة الصحة، وسلطاته ليست مطلقة. كان الأولى زيادة عدد المفتشين لتخفيف العبء الواقع عليهم نتيجة اتساع النطاق الجغرافي المخصص لكل منهم، ما يضمن المزيد من السلامة للمنتجات الغذائية، بحسب المصدر.
مفتش سابق في «سلامة الغذاء»، قال لـ«مدى مصر» إن دور المفتش ينصب بالأساس على فحص الجودة واشتراطات الصحة والسلامة المهنية والنظافة الشخصية والوقاية، متفقًا مع المصدر السابق في أن الأزمة الحقيقة تكمن في قلة عدد المفتشين. «يعني مثلًا عدد المفتشين المتعاقدين في محافظة المنيا يصل إلى 30 مفتش فقط، يعني ممكن مفتش واحد يمسك مركز بالكامل»، ولأن المركز يضم عددًا كبيرًا من القرى، يواجه المفتش صعوبة في عملية التفتيش على التراخيص وإصدارها.
وقال مفتش في هيئة الدواء لـ«مدى مصر» إن عمله كان يقتضي المرور على المصانع أسبوعيًا، لكن «لو تم تنفيذ القرار الأخير، المفتش هينزل مرة واحدة سنويًا، إلى حين التنسيق مع اللجان المختلفة للتفتيش، والرقابة بالتأكيد هتكون أقل وأضعف»، مشيرًا إلى مشكلة قلة عدد المفتشين ترجع أيضًا إلى فصل عدد كبير منهم بعد نقل سلطة التفتيش من وزارة الصحة إلى هيئة الدواء، ما تسبب في تفاقم أزمة انتشار الأدوية المزيفة وغير المطابقة للمواصفات. والآن، بعد القرار الأخير، هذا العدد القليل من المفتشين لن يستطيع حتى دخول المصانع بعد قرار الوزير، بحسب المصدر.
قبل أعوام قليلة، كانت مسؤولية الرقابة على الدواء في مصر تتوزع على ثلاث جهات. الأولى: هيئة الرقابة الدوائية، وتتولى مسؤولية الرقابة على المواد الخام الصيدلية ومستحضرات التجميل والمطهرات والأغذية الطبية، والتفتيش الصيدلي، وتسجيل الدواء. الثانية: الهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية، وتولت مهمة قياس جودة المستحضرات الحيوية (الدواء المصنّع من مصادر حيوية)، وإعداد المراجع والنشرات العلمية لها، وتدريب العاملين في مجال الرقابة عليها. الثالثة: الإدارة المركزية لشؤون الصيادلة، وكانت مهمتها التفتيش على مخازن الدواء، إلى جانب بعض المسؤوليات الأخرى.
وفي 2019، تأسست هيئة الدواء المصرية لتحل محل كل هذه الجهات. بموجب قانون تأسيسها، تولّت الهيئة الجديدة تنظيم والرقابة على إنتاج وتداول المستحضرات والمستلزمات الطبية إلى جانب التسعير الجبري للأدوية.
أما هيئة سلامة الغذاء، فقد تأسست في 2017، وتولت مسؤولية وضع القواعد المُلزمة لسلامة الغذاء، وإصدار تراخيص تداول مختلف أنواعها والرقابة عليها. من بين أنواع هذه الأغذية ما يُعرف بـ«الأغذية الخاصة»، وهي «الأغذية التي يتم تجهيزها أو تركيبها لتلبية متطلبات غذائية خاصة أو لحالات مرضية»، بحسب تعريف القانون.
***
مسؤول بلجنة صناعة الدواء باتحاد الغرف التجارية، قال لـ«مدى مصر» إن قرار الوزير جاء نتيجة تعنت هيئة الدواء ضد المصانع. «كانت الهيئة تغلق المصنع بدعوى التطوير، وتخبر أصحاب المصانع أن هناك اشتراطات جديدة في منظمة الصحة العالمية يجب تطبيقها، وقطعًا تلك الاشتراطات تحتاج إلى وقت طويل [لتنفيذها] لأن تطوير البنية التحتية للمصانع صعب جدًا، ومينفعش نطورها في أيام ولا حتى شهور، ومينفعش المفتشين يتكلموا في تحديث مصانع وأغلبها معهاش بضاعة ولا فلوس، وكويس إن الموظفين بتقبض ولسه بتشتغل، ولما يجيلك حد يقولك إعمل بنية تحتية بعشرة وعشرين مليون جنيه يا تقفل، فالناس بتقفل»، مضيفًا أنه «في الفترة الأخيرة كان فيه هجمة شرسة من هيئة الدواء على المصانع، والهجمة دي محلتش أزمة الأدوية المزيفة أو غير المطابقة للمواصفات، على العكس كان من فترة قصيرة توفيت طفلة في الإسكندرية من دواء مغشوش، وفيه مصانع في المنصورة كتير بتغش الدواء، أين دور هيئة الدواء؟ وكان أي مفتش معدي قدام مصنع ممكن يقفله في مختلف الصناعات مش الدواء بس، وده أمر غير صحي إطلاقًا للصناعة»، بحسب المصدر.
لكن، مفتش «الدواء» أوضح لـ«مدى مصر» أن المفتش لا يغلق المصنع بقرار منفرد منه، فهو «يكتب تقريرًا، يتم رفعه إلى اللجنة العليا للتفتيش، واللجنة هي من تتخذ القرار».
مشاركه :
لايوجد اخبار